عضو مجلس هيئة المحامين بالرباط وعضو مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب مكلف بالشؤون الثقافية سابقا

23 نوفمبر 2023 abdelaziz Moumen 0 Comments

 

تقديم:

المحاماة مهنة حرة، مستقلة، تساعد القضاء، وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء[1]، يمارسون مهنتهم لزوما في إطار هيئة محدثة لدى كل محكمة استئناف، تلكم الهيئة التي تتمتع بالشخصية المدنية والاستقلال المالي[2]، بمعنى أن المشرع، منح لكل هيئة، من خلال القانون المنظم لمهنة المحاماة، سلطات واسعة لتدبير الشأن المهني انطلاقا من التنظيم ومراقبة الولوج الى المهنة وممارستها والتمرين والتكوين والتأديب وغيرها من السلطات لتي تهدف الى تقديم خدمات هي في الواقع من صميم اختصاص الدولة التي أوكلتها للهيئة.

وتتكون هيئة المحامين من أجهزة تتألف من الجمعية العامة، التي تضم جميع المحامين المسجلين في الجدول، والتي تعمل على انتخاب النقيب ومجلس الهيئة، وخص المشرع كل جهاز من هذه الأجهزة بصلاحيات واسعة تمارسها بمقتضى قرارات ومقررات حرص المشرع على ألا تتداخل اختصاصات الاجهزة فيما بينها لتبرز إشكالية الطبيعة القانونية لتلكم القرارات والمقررات (الفصل الأول).

إلا ان القرارات والمقررات التي تصدرها الأجهزة والتي تشكل جميعها هيئة المحامين، تخضع أعمالها لرقابة القضاء، لأن الهيئة تسير مرفقا من المرافق العامة الذي يهدف الى تحقيق الصالح العام، وتتسم مقرراتها بامتيازات السلطة العامة.[3]

إلا أن عمل أجهزة هيئة المحامين يبقى خاضعا لرقابة القضاء الواقف والجالس، حيث تبرز إشكالية الطعون التي تمارس من قبل الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، وكذا تلك التي يمارسها المحامون ضد قرارات ومقررات الأجهزة المهنية (الفصل الثاني).

الفصل الأول – القرارات والمقررات التي تصدرها أجهزة الهيئة

سنعمل في هذا الفصل على الوقوف على القرارات والمقررات التي تختص بها أجهزة الهيئة قبل الوقوف على الطبيعة القانونية لتلكم القرارات والمقررات.

المبحث الأول – القرارات والمقررات القابلة للطعن

أوكل المشرع للجمعية العامة صلاحية انتخاب النقيب وأعضاء مجلس الهيئة كل ثلاث سنوات،[4] وحدد لها شروطا لسلامة العملية الانتخابية، نجد منها ما يتعلق بهذه الأخيرة كتحديد شهر دجنبر لإجراء الانتخابات،[5] ومنها ما يتعلق بالنصاب وبطريقة الاقتراع، ومنها ما يخص الشروط الواجب توفرها في المترشحين، سواء لمركز النقيب أو لعضوية مجلس الهيئة.[6]

والى جانب اختصاصات الجمعية العمومية،[7] فإن المشرع حدد سلطات واختصاصات للنقيب وسلطات واختصاصات لمجلس الهيئة.

وهكذا أوكل المشرع للنقيب اختصاصات متعددة، حيث يتولى النقيب تمثيل الهيئة في أعمال الحياة المدنية، ورئاسة اجتماعات المجلس، ورئاسة الجمعية العامة الانتخابية وكذا الجموع العامة، ويتلقى طلبات التسجيل في لائحة المحامين المتمرنين،[8] وكذا طلبات التسجيل في الجدول، التي يحيلها على مجلس الهيئة، ويعين لأستاذ التعليم العالي مكتبا ليقضي به المدة المنصوص عليها بالمادة 18 من القانون المنظم لمهنة المحاماة، ويرافق المترشحين المقبولين لأداء القسم أمام الهيئة القضائية التي يرأسها الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في جلسة خاصة،[9] كما يتلقى طلبات المشاركة أو المساكنة أو المساعدة، ويحيلها على مجلس الهيئة ليبث فيها، [10] ويوفق بين المحامين الشركاء او المتساكنين عند وقوع نزاع بينهما، ويعرض النزاع عند عدم التوصل الى حل على التحكيم،[11] ويعمل على تبليغ القائمة التي تتضمن أسماء المحامين المقبولين أمام محكمة النقض الى الرئيس الأول لهذه الأخيرة،[12] ويمنح الإذن للمحامي الذي يريد خلق موقع في وسائل التواصل الاجتماعي.[13]

ويتدخل النقيب أيضا لحل النزاعات حول النيابة بين المحامين. ولقد كان الفصل 20 من النظام الداخلي القديم لهيئة المحامين بالرباط ينص على أن النقيب يقوم في حالة حدوث نزاع وبعد الحصول على كل الإيضاحات من الزميل المنصب من قبل، بالترخيص صراحة لمن له الحق في التنصيب بقرار غير قابل لأي طعن …”. ولقد سبق ان ناقشنا هذه القاعدة للنظام الداخلي التي تحرم المحامي المستبعد من الملف، من الطعن في قرار النقيب.[14]

إلا أن النظام الداخلي الحالي لنفس الهيئة، اقتصر بالمادة 18على أنه “يساءل تأديبيا كل محام استمر في متابعة قضية أو تمثيل الأطراف فيها أمام المحكمة وفي أية مرحلـة بعـد قـرار النقيب القاضي بعدم أحقيته في النيابة أو بعد توصله برسالة العزل وفق الإجراءات المنصوص عليها قانونا”، ليبقى التساؤل مطروحا دائما حول إمكانية الطعن في قرار النقيب الباث في احقية النيابة من عدمها.

ويعين النقيب من جهة أخرى، لكل متقاض يتمتع بالمساعدة القضائية محاميا مسجلا في الجدول أو في لائحة التمرين ليقوم لفائدته بكل الإجراءات التي تدخل في توكيل الخصام، ويختص نقيب الهيئة، بالبت في كل المنازعات، التي تثار بين المحامي وموكله بشأن الأتعاب المتفق عليها والمصروفات، بما في ذلك مراجعة النسبة المحددة باتفاق بين المحامي وموكله. كما يختص النقيب في تحديد وتقدير الأتعاب، في حالة عدم وجود اتفاق مسبق،[15] ويأذن للمحامي بالاحتفاظ بملف موكله،[16] كما يقوم بتحقيق حسابات المحامين.[17]

ويتلقى النقيب الشكايات التي تقدم في مواجهة المحامين، حيث يتخذ قرارا معللا بالحفظ أو بالمتابعة.[18] ويترأس النقيب المجلس التأديبي عند المتابعة، إلا أنه لا يشارك في التصويت قصد اتخاذ المقرر التأديبي إلا إذا تساوت الأصوات.

ويسهر النقيب أيضا على تبليغ المقررات التأديبية، ويستدعي المحامي الموقوف أو المشطب عليه، ويشعره بوجوب تنفيذ المقرر، ويمنحه أجلا لذلك لا يتعدى شهرا، ويشعر النقيب الوكيل العام بتنفيذ المعني بالأمر المقرر التأديبي، وعند عدم التنفيذ، ينتقل النقيب إلى مكتب المعني بالأمر، ويسهر على التنفيذ.[19]

ويوافق النقيب على الزميل الذي اختاره المحامي الموقوف عن ممارسة المهنة، ويقوم بالتعيين، أيضا، إذا لم يحظ الاختيار بموافقته، أو لم تقع مباشرته رغم الإنذار، ويضع حدا للنيابة بطلب من المنوب عنه، أو تلقائيا عند رفع المانع، أو بطلب من المحامي النائب، أو المحامين النواب، أو الوكيل العام للملك.[20]

ويقوم النقيب في حالة وفاة محام، غير مرتبط بعقد مشاركة، أو عضو في شركة مهنية، بتعيين محام يقوم بإحصاء الملفات الجارية في مكتب المعني بالأمر، ويتخذ باتفاق مع ورثة الهالك، جميع الإجراءات اللازمة لضمان تصفية تلكم الملفات، ما لم يكن المحامي المتوفى، قد عين في حياته محاميا لهذه الغاية.

ويعين النقيب أيضا في حالتي التغاضي أو الإسقاط في غير حالة الوفاة، محاميا يقوم بنفس الإجراءات، إذا لم يتخذ المحامي المعني التدابير اللازمة لضمان تصفية الملفات الجارية بمكتبه، رغم إنذاره من طرف النقيب، الى غير ذلك من الاختصاصات التي يمنحها المشرع للنقيب.[21]

اما بالنسبة للشركات المدنية المهنية، فإن النقيب هو من توجه اليه طلبات تسجيل الشركات، وتبلغ اليه نسخ من محاضر الجموع العامة، وكذا جميع القرارات المتعلقة بتعديل نظامها الأساسي، وتلك المتعلقة بانسحاب أحد الشركاء أو تفويت حصته في الشركة.

والنقيب هو الذي يعين مسيرا للشركة في حالة المنع الجزئي للشركاء من مزاولة المهنة، كما أن النقيب هو الذي يعين مصفيا في حالة حل الشركة بقوة القانون إثر وفاة جميع الشركاء.

و “يمكن للنقيب عند عجز أحد الشركاء عن تسديد ما ترتب بذمته بمقتضى مقرر قابل للتنفيذ، أن يجبره على تفويت حصته في رأسمال الشركة لهذه الأخيرة أو إلى أحد الشركاء وإلا للأغيار من المحامين ويحدد النقيب قيمة حصة الشريك المدين ويتسلم مقابلها لأداء ما ترتب بذمة المحامي الشريك أو لتصفية الديون وفق المقتضيات الجاري بها العمل”.[22]

والى جانب السلطات المتعددة التي يحظى بها النقيب فإن المشرع خص مجلس الهيئة بسلطات واسعة أيضا.

وهكذا أسند المشرع لمجلس هيئة المحامين العديد من الاختصاصات، كحماية حقوق المحامين والسهر على تقيدهم بواجباتهم في نطاق المبادئ التي ترتكز عليها المهنة؛ ووضع النظام الداخلي للهيئة وتعديله، وفق ما يتطلبه تطبيق قواعد المهنة وتقاليدها وأعرافها[23]، مع تبليغه إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، والوكيل العام للملك لديها، وإيداع نسخة منه بكتابة الهيئة، وكتابة ضبط محكمة الاستئناف.[24]

ويبت المجلس[25] في الطلبات المستوفية لكافة الوثائق وعناصر البحث الذي يجريه حول أخلاق المترشح للتقييد في لائحة التمرين، ويتم التقييد في هذه اللائحة التي يضبطها المجلس ويعمل على نشرها سنويا مع الجدول.[26]

ويتابع مجلس الهيئة المحامي المتمرن خلال فترة التمرين ويراقب ممارسته الفعلية للمهنة في مكتب ممرنه، وحضوره في جلسات المحاكم، والمواظبة على حضور ندوات التمرين، والمشاركة في اشغالها.

ويمكن لمجلس الهيئة في حالة الإخلال بالتزامات التمرين، ان يمدد فترة التمرين لمدة إضافية لا تزيد عن السنة وذلك بمقرر معلل، كما يقرر التمديد عند الانقطاع دون سبب مشروع لنفس مدة الانقطاع كاملة، وذلك وفق المسطرة المقررة بالمادة 16 من قانون المهنة.

كما يقوم المجلس بحذف المحامي المتمرن من لائحة التمرين في حالة الاستمرار في الإخلال بالتزامات التمرين بالرغم من تمديد مدته؛ أو الاستمرار في الانقطاع رغم تمديد فترة التمرين أو المحامي المتمرن الذي لا يقدم طلبه الرامي إلى التسجيل في الجدول خلال أجل ثلاثة أشهر من تاريخ انقضاء مدة التمرين.[27]

ويبت مجلس الهيئة في طلبات التسجيل في الجدول بمقرر، بعد استكمال عناصر البحث الذي يجريه حول المترشح داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ إيداع الطلب وأداء واجبات الانخراط وسلوك المجلس للمسطرة القانونية.[28] وهو من يحدد رتبة المحامين المسجلين في الجدول، والمحامين المتمرنين.

ويرخص مجلس الهيئة من جهة أخرى بالمشاركة أو المساكنة أو المساعدة، بناء على طلب موجه إلى النقيب، من المحامين المتعاقدين، ويمكن له رفض الترخيص بمقرر في حالة تضمين العقد مقتضيات منافية لقواعد المهنة، وعدم استجابة المحامين المعنيين لتوجيهات مجلس الهيئة، في شأن تعديلها.

ويقرر مجلس الهيئة التغاضي عن التقييد في الجدول تلقائيا، أو بطلب من الوكيل العام للملك، أو من المعني بالأمر نفسه بعد الاستماع إليه، أو استدعائه، قبل تاريخ انعقاد المجلس بخمسة عشر يوما على الأقل، ويعيد المجلس تسجيل المحامي المعني بالأمر في الجدول بطلب منه بمقرر عند ارتفاع سبب التغاضي، خلال خمس سنوات من حدوث مانع التغاضي.

ويسهر مجلس الهيئة على تأديب المحامي الذي يرتكب مخالفة للنصوص القانونية، أو التنظيمية، أو قواعد المهنة أو أعرافها، أو إخلالا بالمروءة والشرف، ولو تعلق الأمر بأعمال خارجة عن النطاق المهني. ويتم ذلك بعد تلقي النقيب لشكاية مكتوبة ومتابعته للمعني بالأمر، أو إذا ألغت محكمة الاستئناف قرارا للنقيب بالحفظ، أو حين يضع المجلس يده تلقائيا على كل إخلال يقوم به المحامي.

ويمكن لمجلس الهيئة، أن يأمر بالتنفيذ المعجل لمقرر الإيقاف عن الممارسة، أو التشطيب في حالة الإخلال الخطير بقواعد المهنة. كما يمكن لمجلس الهيئة، ولأسباب مهنية، عند إجراء متابعة زجرية ضد أي محام، أن يصدر في حالة الضرورة القصوى، مقررا معللا بمنع هذا المحامي من ممارسة المهنة مؤقتا. ويتخذ المجلس هذا المقرر، تلقائيا أو بطلب من النقيب، أو الوكيل العام للملك، بالأغلبية المطلقة لأعضائه.

ويجوز للمحامي الذي صدر، في حقه مقرر تأديبي نهائي بالإنذار، أو التوبيخ، أو الإيقاف، أن يقدم لمجلس الهيئة، التماسا برد الاعتبار بعد انصرام الآجال المنصوص عليها في قانون المهنة، ويبث فيه المجلس داخل أجل شهر من تاريخ التوصل به.

ويمكن لمجلس الهيئة أن يخول صفة محام شرفي، للمحامي الذي قدم خدمات جليلة للمهنة واستقال منها بعد أقدمية عشرين سنة، على الأقل، في هيئة أو أكثر من هيئات المحامين بالمغرب. كما يمكنه سحب الصفة الشرفية، بمقتضى مقرر، يتخذه إذا ما صدر عن المعني بالأمر ما يخل بنبل هذه الصفة.

ويسهر مجلس الهيئة على إدارة أموال الهيئة، ويصادق على النظام الداخلي لحساب ودائع وأداءات المحامين، وهو من يعمل على تحديد واجبات الاشتراك، وإبرام عقود التأمين عن المسؤولية المهنية لأعضائها مع مؤسسة مقبولة للتأمين؛ كما يقوم المجلس على إنشاء وإدارة مشاريع اجتماعية لفائدة أعضاء الهيئة، وتوفير الموارد الضرورية لضمان الإعانات والمعاشات، لهم أو للمتقاعدين منهم أو لأراملهم وأولادهم، سواء في شكل مساعدات مباشرة، أو عن طريق تأسيس صندوق للتقاعد، أو الانخراط في صندوق مقبول للتقاعد.

ومن جهة أخرى، فإن مجلس الهيئة هو من يحدد تاريخ الانتخابات المهنية والترتيبات التنظيمية المتعلقة بها، وهو من يصدر خلال النصف الأول من شهر أكتوبر من السنة التي تجري فيها الانتخابات، مقررا بتحديد أسماء المحامين الذين لهم حق الترشح لمنصب النقيب، ولعضوية المجلس، مع مراعاة توفر شروط الأهلية للترشح المنصوص عليها أعلاه، كما يصدر نفس اللائحة قبل إجراء انتخابات جزئية بشهرين على الأقل.[29]

ونستخلص مما سبق بأن المحاماة مهنة حرة ومستقلة تسيرها هيئة تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي وأن أجهزتها تصدر لأجل ذلك قرارات ومقررات وقفنا على البعض منها أعلاه وأنه من المفيد الوقوف على الطبيعة القانونية للقرارات التي يصدرها النقيب والمقررات التي تصدرها الجمعية العامة ومجلس الهيئة.

المبحث الثاني – الطبيعة القانونية لقرارات ومقررات أجهزة الهيئة

هنالك بعض الفقه الذي يعتبر بأن هيئة المحامين تشكل هيئة خاصة مكلفة بتسيير مرفق عام،[30] لأن مهمتها لا تقتصر على الدفاع عن حقوق ومصالح المنتسبين اليها، بل ترتكز أولا وقبل كل شيء على تنظيم ومراقبة المهنة والمهنيين قصد خدمة الصالح العام وذلك بتقديم خدمات للمواطنين، تلكم الخدمات التي هي في الأصل من اختصاص الدولة، إلا أن هذه الأخيرة وللتخفيف من أعبائها، أوكلت سلطاتها الى أجهزة مهنية منتخبة للقيام بها مقامها تحت رقابة القضاء.

إلا أن هنالك من يعتبر الهيئة شخصا معنويا عاما،[31] باعتبار أن “القانون خولها سلطات من نوع خاص لا تتميز بها إلا السلطات العامة الإدارية وأعطاها حق احتكار المهنة”، وخص بها المحامين المسجلين بها وأعطاها الاختصاص في حصر واجب الانخراط ، والاشتراك، وباقي المساهمات، كواجب الدمغة المرتبطة بالإسعاف، وواجب طلب تحديد الأتعاب …، وأعطاها سلطة قبول أو رفض المترشحين للتقييد في لائحة التمرين وفي الجدول، والسهر على التمرين والتكوين والتكوين المستمر، ومراقبة الممارسة المهنية، وسلطة التشريع الداخلي، والسهر على التأديب، وتحديد أسماء المحامين الذين لهم حق الترشح لمنصب النقيب ولعضوية المجلس، وغيرها من السلطات.

ويرى بعض الفقه بأن “المحاماة مهنة حرة ومستقلة تسيرها هيئة لها الشخصية المعنوية، ولها ذمة مالية للتملك والتصرف، وإذا ما استعرضنا المهام التي تقوم بها الهيئة كما ورد في قانون تنظيمها وخاصة المهام المنصوص عليها في المادة 85 من ظهير 10 شتنبر 1993 (المادة 91 في قانون20 أكتوبر 2008) نجد بأنها تتصرف كأي شخص معنوي فيما يخص شؤونها المالية، وهي في ذلك تخضع للقانون الخاص.[32]

وإلى جانب ذلك فإنها تصدر قرارات تتسم بامتيازات السلطة العامة، وهذه القرارات ملزمة، وهذا الامتياز لا يتوفر عليه أشخاص القانون الخاص، وعليه، فإنها تطبق قواعد القانون العام، رغم أنها من أشخاص القانون الخاص، وتخضع في الجزء الأكبر من تصرفاتها للقانون الإداري”.[33]

وإذا كانت هيئة المحامين تشكل في حد ذاتها شخصا معنويا خاصا يدير مرفقا عاما[34]، فإنها تراكم مهاما تنظيمية وإدارية ومالية وتشريعية وتأديبية كما ورد ذلك سالفا في هذه الدراسة، وهو ما يطرح علينا سؤال الطبيعة القانونية لقرارات ومقررات أجهزة الهيئة، لمعرفة هل هي قرارات إدارية تخضع للطعن بالإلغاء، أم أنها قرارات قضائية تخضع للطعن بالاستئناف والنقض.

بالنسبة لبعض الفقه، فإنه يرى بأن “قرارات مجلس الهيئة وبصفة خاصة تلك المتعلقة بالمتابعة التأديبية هي قرارات قضائية، ويمتلك مجلس الهيئة بهذا الوصف السلطات المخولة للقاضي مع يترتب عن ذلك من آثار كاكتساب هذه القرارات حجية الشيء المقضي به، وقابليتها للطعن أمام غرفة المشورة لدى محكمة الاستئناف، والمسطرة التواجهية، واستدعاء المحامي المتابع للاستماع اليه، وتمتيعه بحقوق الدفاع، وتعليل هذه القرارات، وجعلها مشمولة بالنفاذ المعجل، إذا تعلق الأمر بالإيقاف أو التشطيب، وإمكانية إيقاف التنفيذ المعجل أمام محكمة الاستئناف.” [35]

وأضاف نفس المرجع بأن “المشرع اعتبر دور النقيب مهم جدا ولهذا أعطاه سلطة قضائية لأنه يفصل في نزاع أو خصومة بين الأطراف من محامين وأغيار”… “ومما يؤكد أن مؤسسة النقيب[36] هي مؤسسة قضائية كون الإجراءات المسطرية التي يطبقها حينما يبث في إطار صلاحياته هي إجراءات شكلية قضائية، بحيث يجب تقديم طلب مكتوب يبلغ الى الطرف الآخر، ويجب أن يكون المقرر معللا تحت طائلة البطلان، وعندما يصدر المقرر من النقيب يبلغ الى الطرف الآخر الذي يحق له أن يطعن فيه بالاستئناف”. [37]

إلا أن بعض الفقه الآخر يرى على عكس ذلك بأن نظرية المقررات الضمنية، ومدى قابليتها للطعن تؤشر الى أن الأمر يتعلق بقرارات إدارية وإن كانت صادرة عن جهاز منتخب في شخص مجلس الهيئة الذي يرأسه النقيب، إلا أن الجهاز المذكور قد أوكل اليه المشرع تسيير مرفق عمومي هو مرفق المحاماة، وخوله سلطات وصلاحيات تشبه الى حد كبير سلطات القانون العام التي تتوفر عليها السلطة الإدارية المنتصبة، لإصدار قرارات إدارية ملزمة ومن شأنها أن تؤثر في المراكز القانونية لمن يعنيه أمرها”.[38]

وإذا كانت غالبية الفقه والقضاء المغربي تعتبر القرارات الصادرة عن الهيئات المهنية قرارات ادارية تقبل الطعن بالإلغاء أمام المحاكم الادارية، مع استثنائها للقرارات الصادرة عن هيئة المحامين التي تعتبرها قرارات مدنية غير قابلة لممارسة الطعن فيها بالإلغاء أمام المحاكم الإدارية، فإن الأمر يبقى قابلا للمناقشة.

فعلى خلاف ما ورد لدى بعض الفقه[39] من كون المشرع منح للنقيب ولمجلس الهيئة نفس السلطات المخولة للقاضي فإن النقيب ومجلس الهيئة يصدران في نظرنا قرارات ومقررات إدارية وليس أحكاما قضائية. كما أن جلسات مجلس هيئة المحامين المتعلقة بتدبير الشؤون المهنية والتي تهدف الى إصدار المقررات لا تفتتح باسم الملك كما أن المقررات وعلى خلاف الأحكام القضائية لا تصدر باسم الملك.

ومن جهة أخرى فإن قرارات النقيب بتحديد الأتعاب لا تصدر هي الأخرى باسم الملك ولا تصبح قابلة للتنفيذ إلا بعد حصولها على الصيغة التنفيذية التي يذيل بها القرار رئيس المحكمة الابتدائية بعد انصرام آجال الطعن.

وإذا كان بعض الفقه وبعض القضاء يرفض وصف هيئة المحامين بالسلطة الإدارية، ويصنف قرارات ومقررات أجهزة هيئات المحامين ضمن القضاء العادي، فإنه من الصعب اعتبار ما يصدر عن النقيب والمجلس بالأحكام الابتدائية الصادرة عن “محاكم” الدرجة الأولى، لمجرد أن الطعن فيها يتم أمام الرئيس الأول بالنسبة لقرارات الاتعاب وأمام غرف المشورة لمحاكم الاستئناف العادية بالنسبة لباقي الطعون.

ونعتمد للتأكيد على وجهة نظرنا هاته على العديد من المعطيات أهمها أن القانون المنظم لمهنة المحاماة يتحدث عن القرارات والمقررات ولا يصف ما يصدر عن أجهزة الهيئات بالأحكام القضائية كما سبقت الإشارة الى ذلك أعلاه.

كما جاء في المادة 94 من القانون المنظم لمهنة المحاماة من جهة أخرى على أنه “يحق لجميع الأطراف المعنية، والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، الطعن في المقررات الصادرة عن مجلس الهيئة، وكذلك في انتخاب النقيب ومجلس الهيئة، وذلك بمقتضى مقال يودع بكتابة الضبط بمحكمة الاستئناف، داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ التبليغ، أو إجراء الانتخابات، أو من اليوم الذي يعتبر تاريخا لاتخاذ المقرر الضمني”.