أشخاص الضمان العشري في القانون المغربي

16 سبتمبر 2023 abdelaziz Moumen 0 Comments

الضمان هو الالتزام بتعويض الغير عما لحقه من تلف المال أو ضياع المنافع، أو عن الضرر الجزئي أو الكلي الحادث بالنفس الإنسانية .

ويتمثل الضمان العشري أو المسؤولية العشرية في المدة التي يخول فيها القانون لرب العمل مساءلة المهندس المعماري والمقاول عن الأضرار المادية التي لحقت بالبناء، وتحميلهما المسؤولية فيما يقع له من أضرار، وذلك خلال مدة عشر سنوات تبتدئ من تاريخ التسليم ، وإذا انتهت هذه المدة دون مطالبته بذلك، فقد حقه، ولا يمكن محاسبة المهندس أو المقاول بعد فواتها، لأنهما لم يعودا ضامنين لما يحدث للبناء من أضرار.

ولم يكتف المشرع المغربي، كغيره من التشريعات المعاصرة، بإقرار نظام المسؤولية العقدية للمهندس المعماري وفقا للنظرية العامة بشأن إخلاله بالتزاماته العقدية عن الفترة السابقة لإنجاز العمل وتسليمه لرب العمل، وإنما عمل على تدعيمه بنظام الضمان العشري، حيث نص الفصل 769 من قانـون الالتزامات والعقـود على أن ” المهندس المعماري والمقاول المكلفان مباشرة من رب العمل يتحملان المسؤولية إذا حدث خلال العشر سنوات التالية لإتمام البناء أو غيره من الأعمال التي نفذاها أو أشرفا على تنفيذها أن انهار البناء كليا أو جزئيا أو هدده خطر واضح بالانهيار بسبب نقص المواد أو عيب في طريقة البناء أو عيب في الأرض.

المهندس المعماري الذي أجرى تصميم البناء ولم يشرف على تنفيذ عملياته لا يضمن إلا عيوب تصميمه.

تبدأ مدة العشر سنوات من يوم تسلم المصنوع، ويلزم رفع الدعوى خلال الثلاثين يوما التالية ليوم ظهور الواقعة الموجبة للضمان وإلا كانت غير مقبولة ” .

هذا، ولئن كان للمسؤولية بشكل عام طرفان أحدهما دائن والآخر مدين، فإن المسؤولية العشرية جاءت كاستثناء من القواعد العامة، لذلك فإن أحكامها محدودة النطاق من حيث الأشخاص.
وسنحاول توضيح أشخاص هذا الضمان من خلال مطلبين، نخصص أولهما للأشخاص المسؤولين بالضمان العشري، على أن نتطرق في ثانيهما للأشخاص المستفيدين من هذا الضمان.

المطلب الأول: المسؤولون بالضمان العشري

إن المسؤولين بالضمان العشري في إطار قانون الالتزامات والعقود المغربي همـا المهنـدس ( الفقرة الأولى )، والمقـاول ( الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى: المهندس

بالرغم من أن الفصل 769 من ق.ل.ع لم يميز بين المهندس المعماري والمهندس مادام أن الضمان العشري لا يقتصر على المهندس المعماري وحده، وإنما يمتد ليشمل كل مهندس يتصل عمله بالبناء، إلا أن الواقع يبرز أن هناك فروقا جوهرية تميز بينهما، فالمهندس المعماري هو العقل المدبر للمشروع، وهو الذي يضع التصور العام للبناء، أما المهندس فهو تقني مختص بأحد الجوانب الفنية في المشروع كمهندس الإسمنت المسلح ومهندس الأسلاك الكهربائية والقنوات المائية مثلا، وتتحدد مسؤوليته في جانب تخصصه لا غير .
ولا شك أن المقصود بالمهندس المعماري هو كل شخص أنيطت به هذه المهمة من طرف رب العمل دون اشتراط حصوله على مؤهل فني في هندسة المعمار، فمادام الشخص يقوم بمهمة المهندس المعماري فهو يلتزم بالضمان، لأن العبرة هنا ليست بالصفة القانونية للمهندس المعماري، بل بطبيعة الأعمال التي يقوم بها، والقول بخلاف ذلك لا يعدو أن يكون تحايلا للتهرب من أحكام الضمان العشري .
ويجب لتطبيق أحكام المسؤولية العشرية على المهندس المعماري أن يكون مرتبطا مع رب العمل بعقد مقاولة، أي أن يكون ملتزما بوضع التصميم والإشراف على العمل في مقابل أجر، أما إن كان يقوم بالعمل دون أن يرتبط مع رب العمل بعقد مقاولة، كما في الحالة التي يرتبط معه بعقد عمل ويقوم بعمله تحت إشراف ومراقبة رب العمل، فإنه لا يكون مسؤولا بالضمان العشري، وإنما تتحدد مسؤوليته وفقا لأحكام عقد العمل .

الفقرة الثانية: المقاول

يقصد بالمقاول كل شخص تعهد لرب العمل بإقامة بناء أو منشآت ثابتة أخرى في مقابل أجر دون أن يخضع في عمله لإشراف أو إدارة رب العمل ، وقد يقدم المقاول إضافة إلى عمله مادة العمل، كما قد يقتصر الاتفاق على تقديم العمل وحده، وفي الحالتين معا ومتى كان محل المقاولة إقامة مباني أو منشآت، فإن المقاول ملزم بالضمان العشري إذا تحققت شروطه وكان مرتبطا مع رب العمل بعقد مقاولة.

وليس ضروريا أن يكون مقاول واحد هو من قام بالعمل، وإنما يمكن لرب العمل أن يعهد بالعمل إلى عدة مقاولين، فيعهد لأحدهم بوضع الأساسات وإلى آخر بأعمال البناء، وإلى آخر بأعمال النجارة..، فكل هؤلاء ملتزمون بالضمان العشري كل في نطاق العمل الموكول إليه، مالم تختلط أنشطتهم لدرجة يصعب معها تمييز نطاق عمل كل واحد منهم .
وإذا لم يتوقف المقاول عند دوره الأساسي المتمثل في تنفيذ عقد المقاولة، وتعدى ذلك إلى القيام بدور المهندس المعماري من وضع للتصميمات والرسومات، وكان بها عيب أدى إلى تهدم البناء أو ظهور عيب فيه يهدد متانته وسلامته، فإن المقاول يعتبر مهندسا معماريا فيما يتعلق بتطبيق أحكام الضمان العشري، إضافة إلى صفته الأصلية كمقاول ، أما إذا اقتصر دوره على القيام بالأعمال التي لا تؤثر في متانة البناء وسلامته، كما هو الشأن بالنسبة لأعمال الصيانة الثانوية، فإنه لا يخضع لأحكام المسؤولية العشرية وإنما للأحكام العامة في المسؤولية العقدية باعتباره مخلا بالتزام عقدي ترتب في ذمته بمقتضى عقد المقاولة المبرم بينه وبين رب العمل.
وغني عن البيان القول إنه ورغم ما يمكن أن تتسبب فيه أخطاء المعماريين من كوارث بسبب انهيار المباني الذي يخلف وراءه ، في الغالب الأعم، خسائر مادية وبشرية فادحة ، إلا أن المشرع المغربي قلص بشكل كبير من دائرة الأشخاص المسؤولين طبقا لنظام الضمان العشري، مما جعل الفصل 769 من ق.ل.ع قاصرا عن مواكبة التطورات التي عرفتها العمليات المعمارية وتشعب نواحي صناعة البناء وتزايد أعداد المشتركين فيها تبعا لتنوع تخصصاتهم، مع ما يرافق كل ذلك من تداخل مسؤولياتهم عن عمليات البناء وصعوبة تحديدها بدقة.
فلئن كان التوجه الذي سلكه المشرع المغربي في هذا الصدد مستساغا عند وضع الفصل 769 من ق.ل.ع، إلا أنه في الوقت الراهن، وبعد مرور ما يقارب قرنا من الزمن على صدور ظهير الالتزامات والعقود، وأمام التطور الهائل الذي يشهده قطاع البناء يوما بعد يوم، وما واكب ذلك من استعمال أحدث التقنيات وظهور متخصصين في مختلف التخصصات المرتبطة بشكل أو بآخر بهذا الميدان كما هو الشأن بالنسبة لمكاتب الدراسات الهندسية والرسامين والقياسيين، ومهندسي الديكور، والجيولوجيين والطبوغرافيين وكذا التقنيين والمراقبين الفنيين، فقد أصبح التنظيم التشريعي لمسؤولية المعماريين بالمغرب قاصرا عن تحقيق الحماية اللازمة بالنسبة لرب العمل المتضرر الذي لا تسعفه النصوص القانونية المنظمة للضمان العشري في الرجوع على هؤلاء المتدخلين في عملية البناء، والذين لهم نصيب من المسؤولية فيما لحق به من ضرر سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ورغم صدور القانونين رقم 90-12 المتعلق بالتعمير و 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية سنة 1992، إلا أن المشرع المغربي لم يلتفت إلى التطور الذي يعرفه قطاع البناء، ولم يستفد مما وصلت إليه التشريعات المعاصرة بشأن مسؤولية المعماريين، وبالتالي لم يستطع الخروج بهذه المسؤولية من نطاقها الضيق الذي كانت عليه، ولم يحاول تحريرها من الالتزام بقواعد ونصوص قانون الالتزامات والعقود الذي لم تعد تستجيب لمتطلبات العصر.
وعلى عكس ما هو عليه الحال في القانون المغربي، نجد أن القانون المدني الفرنسي وسع من دائرة الضمان العشري لتشمل أشخاص آخرين غير المهندسين والمقاولين.
ولئن كان المشرع الفرنسي يؤكد منذ سنة 1804 على مبدأ المسؤولية في مجال البناء، إلا أنه كان يحصر هذه المسؤولية في المقاول فقط دون أن يذكر أيا من المتدخلين في عملية البناء كالمهندس المعماري والفنيين والتقنيين، حيث كانت مهنة المهندس المعماري والمقاول مختلطة في ظل القانون المدني الفرنسي لسنة 1804.
غير أنه بصدور قانون 4 يناير 1978 أصبح المشرع أكثر وضوحا حين نص على عبارة “tout constructeur ” ، أي كل المعماريين الذين شيدوا البناء، وبالتالي ميز بين المهندس المعماري والمقاول وغيرهما من المتدخلين في عملية البناء .
ويمكن القول، إن هذا التوسع في مفهوم المعماريين جاء نتيجة توجه كل من الفقه والقضاء نحو توسيع نطاق الضمان ليشمل المهندسين غير المعماريين، ومكاتب الدراسات الهندسية والرسامين والقياسيين، ومهندسي الديكور، والجيولوجيين والطبوغرافيين وكذا التقنيين والمراقبين الفنيين ، بل ذهبت المادة 1792 من القانون المدني الفرنسي أكثر من ذلك حين أضافت إلى تعبير المهندسين المعماريين والمقاولين، كل من يربطهم برب العمل عقد مقاولة.
وحدد المشرع الفرنسي من خلال المادة 1792/1 لائحة الأشخاص الذين يعتبرون معماريين، وأكد من خلال هذه اللائحة أن العبرة في الضمان لا تكون باللقب أو بالمركز المهني، أو بالكفاءة المهنية للشخص المسؤول، وإنما تكون بالأدوار أو المهام التي يتولى هذا الشخص تأديتها.
ولم يكتف المشرع الفرنسي من خلال نص المادة 1792/1 بمسؤولية المعماريين الذين شاركوا في عملية البناء وخضوعهم لقواعد الضمان، بل امتدت يد المشرع لتطال أيضا طائفة أخرى من الأشخاص اعتبرهم في حكم المعماريين، حيث أكد من خلال الفقرة الثانية من المادة 1792/1 على أنه من ضمن الملتزمين بعملية الضمان بائع البناء في طور التشييد، والبائع هنا هو الشخص الذي يبيع، بعد تمام الإنجاز، بناء شيده بنفسه أو بواسطة آخرين .
فقبل سنة 1978 لم يكن المقاولون البائعون يخضعون لقواعد الضمان العشري بسبب عدم ارتباطهم مع عملائهم بعقد مقاولة، فإذا انتقلت ملكية البناء إلى المشتري بعقد بيع من مهندس أو مقاول يبني لحسابه بغرض البيع، فلا يكون لهذا المشتري التمسك بالضمان العشري، وإن كان له أن يتمسك بدعوى ضمان العيب الخفي في عقد البيع إذا توفرت شروطها ، غير أنه بصدور قانون 4 يناير 1978 تم إخضاع بائع العقار الذي يبني لحسابه ويعمل على بيع ذلك العقار لأحكام وقواعد الضمان العشري بغض النظر عما إذا كان العقار مازال في طور البناء أو تام الإنجاز .
وقد أراد المشرع الفرنسي من خلال إلزامه البائع بالضمان العشري وضع حد للتلاعب الذي بدأ يظهر في ميدان البناء والمتمثل في قيام المعماريين بتشييد منشآت لحسابهم ثم بيعها بعد تمام إنجازها بغرض الإفلات من أحكام الضمان العشري .
من جهة أخرى، جعلت المادة 1792/1 من ضمن الملتزمين أيضا بالضمان العشري ” كل شخص يقوم بمهمة تشبه مهمة مؤجر العمل على الرغم من أنه يتصرف بصفته وكيلا عن مالك البناء”.
ومعلوم أن دور الوكيل يقتصر على إبرام التصرفات القانونية باسم رب العمل ولحسابه، إلا أنه إذا تعدى ذلك إلى القيام بأعمال تدخل في نطاق المقاولة كقيامه بوضع تصميم البناء أو إشرافه على الأعمال، ففي هذه الحالة يخضع لأحكام الضمان العشري بوصفه معماريا وليس مجرد وكيل عن رب العمل.
فلو أن رب العمل كلف المهندس المعماري بمهمة بمقتضى وكالة لدى بعض المصالح ذات العلاقة بالبناء، وذلك بالإضافة إلى عملية إنجاز التصميم والإشراف على الأشغال، ففي هذه الحالة يكون المهندس المعماري ملتزما تجاه رب العمل بموجب أحكام الضمان العشري عن كامل العمل سواء في شقه الخاص بعقد المقاولة، أو في شقه المتعلق بالتصرف القانوني موضوع عقد الوكالة .
هذا، وقد وسع القانون المدني الفرنسي نطاق الضمان العشري ليشمل أشخاصا آخرين سواء كانوا طبيعيين أو معنويين لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بعملية البناء، حيث أخضعت المادة 1792/4 من هذا القانون لأحكام الضمان العشري الصانع ومن في حكمه من صناع العناصر التجهيزية والموزعين للمواد والأدوات الداخلة في عملية البناء.
ويشترط لقيام المسؤولية العشرية للصانع توافر شرطين، يتمثل أولهما في قيام المقاول بتركيب المنتوج المصنوع أو تجهيزه بدون إجراء أي تغيير عليه، أما الثاني فيتمثل في التزام المقاول بالقواعد والتعليمات التي حددها الصانع سلفا لتركيب التجهيزات الصناعية .
بالإضافة إلى ما تقدم، أخضع المشرع الفرنسي المستورد للضمان العشري، والمستورد هو كل شخص يستورد عملا أو جزءا من عمل أو عنصرا من عناصر التجهيز في العمل، والتي تم تصنيعها خارج البلاد، بحيث يصبح المستورد في هذه الحالة مثله مثل الصانع أو المنتج، مسؤولا عن فساد العناصر أو التجهيزات التي استوردها، وبالتالي يكون مسؤولا بالتضامن مع المقاول الذي استعمل هذه المواد أو التجهيزات.
وإدخال المشرع الفرنسي لكل من الصانع أو المنتج والمستورد ضمن الأشخاص المسؤولين في إطار الضمان العشري جاء بهدف الحفاظ على حقوق كل من رب العمل أو المالك، حيث أوجد له مسؤولا بديلا عن الصانع الحقيقي للمواد المستوردة، والذي غالبا ما يكون أجنبيا، كما جعل هذه المسؤولية تضامنية بين كل من صانع تلك المواد أو منتجها، وبين المقاول الذي استعمل تلك المواد المستوردة .

المطلب الثاني: المستفيدون من الضمان العشري

إن المستفيد الأساسي من الضمان العشري هو رب العمل، إذ خوله القانون إمكانية الرجوع بالضمان على المهندس المعماري والمقاول لجبر الضرر اللاحق به .
غير أنه لما كانت الحقوق التي يرتبها العقد المبرم بين رب العمل والمهندس المعماري، أو بين رب العمل والمقاول تنتقل بعد موته إلى ورثته، فإن الحق في الضمان العشري ينتقل إليهم باعتبارهم خلفا عاما.

كما يمكن للحق في الضمان العشري أن ينتقل إلى الخلف الخاص لرب العمل لأنه من مستلزمات البناء ( الفقرة الأولى

وبالإضافة إلى رب العمل وخلفه، يطرح التساؤل حول مدى استفادة أشخاص آخرين من هذا الضمان، وهم على وجه الخصوص المالكون المشتركون في ملكية الشقق والطبقات والمشتري المستأجر ( الفقرة الثانية

الفقرة الأولى: رب العمل وخلفاؤه

أولا – رب العمل: وهو الشخص الذي يشيد البناء أو يقام المنشأ الثابت لحسابه، سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، خاصا أو عاما.
ويعتبر رب العمل المستفيد الرئيسي من الضمان العشري، لأنه هو الذي يصاب عادة بالضرر من جراء التهدم الكلي أو الجزئي للبناء أو التعيب الحاصل له، مما يخوله الرجوع بالضمان على المهندس المعماري أو المقاول أو عليهما معا .
ولا يشترط في رب العمل أن يكون هو من أبرم عقد المقاولة بنفسه، وإنما يكفي أن يتم إبرام هذا العقد باسمه ولحسابه الخاص عن طريق وكيل عنه، مما يعني أن دعوى الضمان تثبت في هذه الحالة للموكل الذي تم تنفيذ الأعمال باسمه ولحسابه ، باعتبار هذه الدعوى أثرا من آثار عقد المقاولة الذي أبرمه الوكيل نيابة عن رب العمل خلال مدة الضمان .
وإذا ما فقد رب العمل صفته هاته لأي سبب من الأسباب كما لو باع العقار أو وهبه أو تنازل عنه لغيره، فلا يستطيع رفع دعوى الضمان العشري ، غير أنه يبقى من حقه رفع دعوى قضائية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابته خلال فترة تملكه للعقار .
كذلك، فإن رب العمل يمكن أن يفقد صفته بالتسليم النهائي للأعمال، وذلك في الحالة التي يكون فيها العقار غير مشيد لحسابه، وإنما يتولى فقط عملية التشييد، ثم يقوم بعد ذلك بتوزيعه على أعضائه، كما يحدث عادة في الشركات أو الجمعيات التعاونية للبناء والتي تعتبر أشخاصا اعتبارية تتمتع بصفة رب العمل طيلة فترة التشييد وحتى تمام الأعمال وتسليمها نهائيا، ثم تفقد صفة رب العمل فلا يمكنها مباشرة دعوى الضمان العشري ضد المقاولين والمهندسين المساهمين في عملية التشييد، لتبقى مباشرة هذه الدعوى من حق الأعضاء الذين تم توزيع العقارات عليهم حتى ولو نص على غير ذلك في محضر التسليم والتسلم .

ثانيا – الخلف العام: يقصد بالخلف العام من يخلف سلفه في كامل ذمته المالية أو في جزء شائع منها كالنصف أو الثلث، فالوارث الوحيد أو الواحد من ورثة متعددين يعتبر خلفا عاما، والموصى له بمجموع التركة أو الموصى له بجزء شائع منها كالثلث أو الربع يعتبر كذلك خلفا عاما .
ولئن كان أثر العقد ينصرف إلى المتعاقدين، فإنه ينصرف كذلك إلى الخلف العام، بمعنى أن الحقوق التي يولدها العقد تنتقل إليه بموت سلفه دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالميراث، مالم يتبين من العقد أو من طبيعة المعاملة أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ينصرف إلى الخلف العام .
وقد عرض المشرع المغربي لآثار الالتزام بالنسبة للخلف العام في الفصل 229 من ق.ل.ع الذي نص على أنه ” تنتج الالتزامات أثرها لا بين المتعاقدين فحسب ولكن بين ورثتهما وخلفائهما، مالم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة الالتزام أو عن القانون…”.
من خلال ما سبق، يمكن القول، إن الحقوق التي يرتبها العقد المبرم بين رب العمل والمهندس المعماري، أو بين رب العمل والمقاول تنتقل بعد موته إلى ورثته، وهذا يعني أن الحق في الضمان العشري ينتقل إلى الخلف العام طبقا لقواعد الاستخلاف، فموت رب العمل يجعل ملكية العقار تنتقل إلى خلفه، فإذا ما حدث انهيار كلي أو جزئي للعقار أو هدده خطر واضح بالانهيار بسبب نقص المواد أو عيب في طريقة البناء أو عيب في الأرض، فإنه يحق للخلف العام أن يباشر دعوى الضمان العشري باعتبارها من الحقوق التي ترتبت لسلفه بمقتضى عقد المقاولة والتي انتقلت إليه مع ملكية العقار.
ولا يمكن الاحتجاج بكون أثر العقد لا ينصرف إلى الخلف العام للمتعاقدين إذا تبين ذلك من العقد أو من طبيعة المعاملة أو نص القانون، لأن هذه الاستثناءات لا محل لتطبيقها على دعوى الضمان العشري، فليس هناك نص قانوني يمنع انتقال الحق في الضمان العشري إلى الخلف العام لرب العمل، وطبيعة هذا الحق نفسها لا تتعارض مع انتقاله إلى الخلف العام، كما أنه لا يسوغ للمتعاقدين الاتفاق على عدم انتقال دعوى الضمان العشري إلى هذا الخلف، لأن معنى هذا هو الإعفاء من الضمان العشري ذاته أو على الأقل من نطاقه الزمني، وهذا يخالف صريح الفصل 772 من ق.ل.ع الذي يرتب البطلان على كل شرط يكون موضوعه إنقاص أو إسقاط هذا الضمان .

ثالثا – الخلف الخاص: يقصد بالخلف الخاص من تلقى من سلفه حقا معينا كان قائما في ذمة هذا السلف، سواء كان حقا عينيا أو حقا شخصيا.
ولم يتطرق المشرع المغربي لأثر العقد بالنسبة للخلف الخاص، مما جعل الفقه يستعين بالمبادئ العامة لتحديد هذا الأثر، ومن بينها أن الشخص لا يستطيع أن ينقل لغيره من الحقوق أكثر مما يملك، وينتج عن ذلك أن الخلف الخاص يتلقى الحق بالحالة التي كان عليها في ذمة سلفه المالية، وبالوضع الحقوقي الذي حددته له العقود السابقة التي جرت بشأنه، كما أنه من المبادئ العامة أن المال ينتقل من السلف إلى الخلف بكافة ما يتمتع به من ميزات وضمانات .
ولا بد من توافر شرطين في العقد حتى يصح النظر فيما إذا كان أثره ينصرف إلى الخلف الخاص، أولهما أن يكون هذا العقد متعلقا بالشيء المعين الذي انتقل إلى الخلف الخاص، وثانيهما أن يكون العقد قد صدر من السلف قبل انتقال الشيء إلى الخلف الخاص .
وعليه، فإن الحق في الضمان العشري ينتقل إلى الخلف الخاص لرب العمل، لأنه من مستلزمات البناء، وبالتالي يستطيع المشتري أن يرجع بالضمان على المهندس أو المقاول إذا تهدم البناء أو ظهر فيه عيب بعد انتقال الملكية إليه، ولكن قبل انقضاء مدة العشر سنوات التي يقوم خلالها الضمان ، ويعتبر هذا الحق من ملحقات المبيع التي تنتقل معه إلى المشتري دون حاجة لاشتراط ذلك في عقد البيع .
ولعل الحكمة من استفادة الخلف الخاص من الضمان العشري تكمن في كون هذا الضمان يمكن اعتباره حماية قانونية مرتبطة بملكية المبنى المشيد ارتباطا وثيقا وغير متصلة بشخصية رب العمل دون غيره من الأشخاص الذين يمكن أن تنتقل إليهم ملكية المبنى، بل إن هذه الحماية تتبع ملكية العقار المبني وتندمج معها باعتبارها من ملحقاته طيلة مدة الضمان العشري .
ويرجع الخلف الخاص على المهندس المعماري أو المقاول بالضمان حتى ولو لم يكن له حق الرجوع بالضمان على السلف، كما لو كان موهوبا له وليس له حق الرجوع بالضمان على الواهب، فإنه يرجع بالرغم من ذلك بالضمان على المهندس أو المقاول، لأن دعوى الضمان انتقلت إلى الموهوب له مع العقار الموهوب بعقد الهبة .

الفقرة الثانية: المالكون المشتركون في ملكية الطبقات والمشتري المستأجر

أولا- المالكون المشتركون في ملكية الطبقات: انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة الملكية المشتركة للبناء الواحد مع استفحال أزمة السكن وارتفاع أثمنة العقارات ، فإذا حدث تهدم البناء المشترك فإن السؤال الذي يطرح هو معرفة من يكون له حق رفع دعوى الضمان العشري، هـل هو اتحاد الملاك أم أن هذا الحق يثبت لكل شريك على حدة ؟
للإجابة على هذا التساؤل ينبغي التمييز بين الأجزاء المفرزة والأجزاء المشتركة من العقار، فالأجزاء المفرزة يبقى مالكوها هم المخولون قانونا لمباشرة دعوى الضمان العشري لأن هذه الأخيرة ترتبط بالملكية ، أما بالنسبة للأجزاء المشتركة، فإنه وبالرغم من عدم وجود نص قانوني يسمح لاتحاد الملاك بالتمسك بأحكام الضمان العشري على الأجزاء المشتركة، إلا أنه بالرجوع إلى القانون 00-18 المتعلق بالملكية المشتركة للعقارات المبنية ذات الشقق، نجده ينص في مادته 13 على أنه ” ينشأ بقوة القانون بين جميع الملاك المشتركين في ملكية عقارات مقسمة إلى شقق وطبقات ومحلات.. اتحاد للملاك يمثل جميع الملاك المشتركين ويتمتع بالشخصية المعنوية… يكون الغرض منه الحفاظ على العقار وإدارة الأجزاء المشتركة. ويحق لاتحاد الملاك التقاضي ولو ضد أحد الملاك المشتركين… يحق لاتحاد الملاك الرجوع على الغير المسؤول عن الضرر”، كما تنص الفقرة الأولى من المادة 20 من نفس القانون على أنه ” يتولى الجمع العام لاتحاد الملاك اتخاذ القرارات والتدابير التي من شأنها الحفاظ على سلامة العقار المشترك وصيانته والحفاظ عليه وضمان الانتفاع به وكـذا على أمن سكانه وطمأنينتهم “، كما أناطت الفقرة الأخيرة من المادة 26 بوكيل الاتحاد ( المأمور) تمثيل الاتحاد لدى المحاكم بإذن خاص.
فمن خلال مقتضيات المواد سالفة الذكر، يمكن القول إن دعوى الضمان العشري تثبت لاتحاد الملاك ممثلا في المأمور بخصوص الأجزاء المشتركة من العقار .
ثانيا- المشتري المستأجر: تنص المادة الثانية من القانون 00-51 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار على ما يلي: ” يعتبر الإيجار المفضي إلى تملك العقار كل عقد بيع يلتزم البائع بمقتضاه تجاه المكتري المتملك بنقل ملكية عقار أو جزء منه بعد فترة الانتفاع به بعوض مقابل أداء الوجيبة المنصوص عليها في المادة 8 من هذا القانون وذلك إلى حلول تاريخ حق الخيار “.
فالبيع الإيجاري عقد يتفق بمقتضاه شخصان أو أكثر على إيجار العين أو العقار لمدة محددة مقابل أجرة أو أقساط، بحيث إذا أوفى المستأجر بجميع الأقساط أو الأجرة في نهاية المدة المتفق عليها انتقلت إليه ملكية العين أو العقار، دون أن يلتزم بالوفاء بأي مقابل آخر، فإذا تخلف عن دفع الأقساط أو الأجرة، وجب تطبيق الأحكام العامة في عقد الإيجار ، وطبقا للاتفاق الابتدائي أو الوعد بالبيع، تبقى ملكية العقار بين يدي المالك ولا تنتقل إلى المشتري المستأجر إلا بعد سداد آخر قسط من ثمن العقار، على الرغم من كون هذا الأخير حاز العقار ويستعمله.
فإذا ما ظهر عيب في البناء خلال مدة عشر سنوات من يوم تسليم البناء لرب العمل ( البائع )، فهل يحق للمشتري ( المستأجر ) أن يرفع دعوى الضمان العشري على المهندس المعماري والمقاول أم لا ؟
بخصوص هذا التساؤل، سبق لمحكمة النقض الفرنسية أن ميزت في أحد قراراتها بين ما إذا كان المستأجر قد أصبح مالكا للعقار بسداده القسط الأخير عند ظهور العيب الموجب للضمان وقبل فوات مدة الضمان العشري، حيث يحق له رفع الدعوى التي انتقلت إليه مع الملكية، وبين ما إذا كان لا يزال مستأجرا عندما ظهر العيب، حيث لا يجوز له رفع مثل هذه الدعوى.

 

الدكتور عبد الرحمان حموش

دكتور في القانون الخاص،

باحث جامعي